تنبض بالحياة ولكل قطعة قصتها.. مهندس من الناصرة يهوى جمع الحجارة من البلدات والقرى المهجرة
توج المهندس الفنان ميشيل أبو نوفل رحلته في الحياة بهواية قد تبدو غريبة للبعض، إلا أنها بالنسبة إليه هامة جدا، هذه الهواية تمثلت في حبه لجمع الحجارة الصغيرة ذات الأشكال اللافتة إضافة إلى قطع الأخشاب، من بلدات يقوم بزيارتها منذ نحو عشرين عاما لقرى وبلدات مهجرة، تنتشر في طول البلاد وعرضها، وذلك ضمن مشاركته بعضوية 'نادي معالم الوطن' الذي يشرف على نشاطاته وفعالياته المرشد السياحي فوزي ناصر ابن قرية المجرة المقيم في مدينة الناصرة داخل أراضي 48.
في النصف الثاني من العام الماضي، شارك أبو نوفل في معرض فني أقامه نادي معالم الوطن، في المركز الثقافي البلدي في الناصرة، حيث تنطلق فعالياته، ولفت أنظار زائري المعرض بهوايته اللافتة، وبما عرضه من حجارة وأخشاب تكاد تنطق لشدة مشابهة بعضها لإنسان هذه البلاد وحيوانها.
في مكتبه القائم في بناية بيت الصداقة في مدينة الناصرة، استقبلنا المهندس أبو نوفل مبتسما، ومعتذرا فهو لا يتقن فن الكلام، ويعتبر نفسه إنسانا عمليا.
ميشيل أبو نوفل من مواليد الناصرة عام 1930، تلقى علومه الأولى فيها، وبعد تخرجه عمل مدرسا في عدد من البلدات منها كفر قاسم، وفي فترة عمله مدرسا شارك هو وأخوه المرحوم إبراهيم وآخرون من أبناء المدينة، منهم صبحي سروجي، وباسم جبران وسميرة خوري، في جوقة الطليعة التي عملت بقيادة الموسيقي ميشيل ديرملكنيان، وكانت ناشطة في تلك الفترة، ثم التحق بمعهد الدراسات التطبيقية 'التخنيون' في حيفا لتعلم الهندسة، التي أولع بها منذ كان صغيرا، وتخرج عام 1960، ليمارس عمله في مجال الهندسة والديكور، وهو ما زال يمارس هذا العمل حتى هذه الأيام.
يفخر أبو نوفل بأن معظم المباني الكبيرة في المدينة، كانت من هندسته وتصميمه، ابتداء من فندق الجليل وانتهاء بعمارة بيت الصداقة التي يقوم فيها مكتبه، مرورا بفندق العين وبالعديد العديد من العمارات والمباني.
بعد تخرجه بسنة واحدة، بادر أبو نوفل بالتعاون مع صديقه الفنان أنيس نوفي، إلى تنظيم معرض الصناعات والفنون، ويذكر بفخر كبير أن عددا من الفنانين آنذاك شاركوا فيه، في طليعتهم الفنانون المرحومون اسحق الداوود، وقائد فرقة الهجانة خلال ثورة عام 1936، محمد نمر الهواري، وحنا مسمار صانع الفخار الأكبر والأكثر عراقة في الناصرة.
حب أبو نوفل للفن دفعه للاختلاط بالعديد من الفنانين، ويقول بزهو مَن صنع شيئا ذا قيمة في حياته، إنه اشتهر بصناعة علب الخطبة الخشبية، وإنه وضع رسومات للعديد من الكتب التي أصدرها صديقه وابن مدينته الشاعر جمال قعوار، كما وضع رسومات لكتب أخرى ألفتها الكاتبة نجوى قعوار فرح ابنة مدينة الناصرة المقيمة في الأردن.
قبل نحو العشرين عاما اهتدى أبو نوفل إلى هواية قد لا تخطر على بال الكثيرين كما قال، ابتدأت تلك الهواية حينما عثر، أثناء مشاركته في إحدى رحلات نادي معالم الوطن، على حجر ذي شكل لافت، فأخذه ليضع له عينين وأنفا وفما، ليتحول هذا الحجر إلى تحفة يضعها في خزانة بمكتبه.
ما قام به أبو نوفل راق له ولأصدقائه، فراح يبحث في كل زيارة له ضمن نادي معالم الوطن، عن حجر أو قطعة لافتة من خشب الشجر ولحائه، وراق هذا لأعضاء النادي فراح كل منهم يقدم إليه ما عثر عليه من حجر وبقايا خشب وشجر، إلى أن تراكم لديه من هذه المدخرات مجموعة كبيرة، ملأت خزانة من الحائط للحائط كما يقال، وباتت محط أنظار كل من تقع عينه عليها، بل باتت هي الأكثر لفتا لزوار مكتبه، والمدار الهام لأحاديث الأصدقاء، وحتى حينما شارك أبو نوفل بمدخراته الحجرية هذه في معرض النادي في العام الماضي، شكلت هذه المعروضات مدار اهتمام زوار المعرض.
خلال مشاهدتنا لهذه المدخرات في مكتب أبو نوفل لفت نظرنا حرصه أن تأتي مشابهة حينا للإنسان وآخر للحيوان، فهذا الحجر يشبه فتاة جميلة انسدل وشاحها من على رأسها، وذاك يشبه أرنبا بريا قفز للتو هاربا من إطلاق صياد أحمق، أما قطع الخشب فقد أعمل أبو نوفل يده فيها وحولها إلى سفينة تنتظر غريبا اشتاق للعودة إلى بلده.
كل حجر يحمل قصة، قال أبو نوفل. وأضاف: إنني أحب الحجارة، إنها تشكل بعضا من معالم الوطن ومن جمالياته، أنا لا أنكر أنني مفتون بأشكالها وأنها تثيريني بما تنقله إلي من أحاسيس اشعر بأنني أعجز من أن أعبر عنها، أما عن الأخشاب فيقول إنها تحمل في ثناياها رائحة المكان وتذكر به.
لكل حجر ولكل قطعة من الخشب في خزانة مدخراته قصة تزيد من ارتباطه بها، فهذا حجر لفت نظري إليه فلان، وتلك قطعة من الخشب قدمتها إلي فلانة من أعضاء النادي، بعد أن وجدتها في ظل شجرة سوّيد معمرة.
حكايات الحجارة وقطع الأخشاب، في مكتب أبو نوفل تكاد تساوي عددها، إنها ليست حجارة صماء، وإنما تروي حكاية. كما أن رائحة الأخشاب تحمل روائح أماكن كنا فيها ونحنّ للعودة إليها.
ويشير أبو نوفل إلى مدخراته، ويقول إنها تنبض بالحياة ولديها مقدرة على بعثها كلما أوشكت على الغياب، إنها حجارة وأخشاب تنبض لهذا أبحث عنها كلما وجدتها في زاوية قصية من زوايا البلاد، لأضمها إلى أخوات لها، وهذا ما سوف أواصل فعله في المستقبل.